الحمدلله رب العالمين و الصـلاة و السـلام على أشـرف المرسليـن
و على آلـه و صحبـه أجمعيـن..و بعـد ..
كتـاب الله , أعظم كتـاب و أجلـه , فهـو كلام خـالق البريات و رازقهـم, له الحمـد
و حده لا شريك له على نعمـة الإسـلام .. و الهـدايـة..
و لقـد حثنـا الله في القرآن على التفكر و التـدبر فقد قال تعـالى :-
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}
- [محمـد -24]
..
و مـن أجل التـدبر تدبر آيات الله ممـا يوصلنا إلى خشيتـه -عز و جل- بشكل أكبر
فنخلص لله أكثر لنصل إلى سعـادة الـدارين..
آيتنـا لهـذا اليـوم .. و التي سنقف لنتـدبرها ..
هـي
{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
[الملـك-1]
..
(تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير),,
لطـالما قرأت سـورة الملك,إلى أن حفظتهـا, - و الحمد لله -.
ولكن أحيانا نشعـر بأن في قلـوبنا شيئاً متعطشـاً لينهل من هذه الكلمات..
كما لو أن هنـاك شيئاً يصرخ يـريد أن يـرى نـور هذه الكلمات..
حين تخـرج من أفـواهنا,وكـأنها ترغب في أن تكـون خارجـة منه..
لا أدري كيف أصف لكم ذاك الشعـور..
كلما نطقـت هـذه الآيـات,أو سجـدت لله , شعرت بأن قلبـي يود أن ينطقها عـوضاً عن فمـي..
أن يجعـل من نبضـاته جسراً تعبر فـوقه تلك الدرر لتخـرج منـي..
تـرى كيف نقـرأ القـرآن,ألا نقـف عنـده ألا نتـأمله..
ألم نتسـاءل يوماً,لم وضعت هذه الكلمـة بدل تلـك..
أم أننـا أردنـا فقط أن نحصـل على عشـر حسنات لكل حرف,ونسينا –من قلة همتنا-أن الحسنات قد تتضـاعف إلى سبعمئة ضعف ,"والله يرزق من يشـاء بغير حسـاب".
ما رأيكـم,إذن أن نذهب في رحلة جميلـة لمضاعفة حسناتنـا,سنقف أحيانا مع أقواله –عـز و جل- في كتابه الحكيـم, لنستشعر عظمتها و روعتها..
أتعلمـون,حين نطلـق العنـان لألباب قلـوبنا أن تبصر فسنرى في كل شيءٍ لوحات أجمـل..
وأشيـاء لم نرها من قبـل..
وإذا كنا أحيانا نرى ذلك بعيوننا,فكيف بقلـوبنا,لا شك أن الـرؤية ستكـون أجمـل..
هيـا بنا..
(تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير),,الملك-1
قال السعـدي في تفسيره
{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ }
أي: تعاظم وتعالى، وكثر خيره، وعم إحسانه، من عظمته أن بيده ملك العالم العلوي والسفلي، فهو الذي خلقه، ويتصرف فيه بما شاء، من الأحكام القدرية، والأحكام الدينية، التابعة لحكمته، ومن عظمته، كمال قدرته التي يقدر بها على كل شيء، وبها أوجد ما أوجد من المخلوقات العظيمة، كالسماوات والأرض.
ستكـون وقفتنا الأولى هنـا,مع هذه الآيـة الجليـلة..
وبمـا أنني مـن أعشـق تأمل جماليات اللغـة في القرآن,فسنتـوقف عندها بشكل كبيـر.
تبارك:- أي تعـالى وتقـدس وتنـزه..
لم لمي قـل تعـالى أو تقـدس؟..
لأنها شاملة لكل هـذه المعـاني,كما أنهـا تدل على العظمـة.. فتبارك تعنـي زيـادة العظـمة,و التبجيـل..
الذي .. إشـارة للبعيـد,ونعـلم أن الإشـارة للبعيـد..تدل على التعظيـم,ورفع الشأن..
كقـوله تعـالى:-
(تلك آيـات الكتاب الحكيم)..لقمان,
فدلت الإشـارة بتـلك على العظمة والشـأن الرفيـع..
(الذي بيده الملك):- أي الذي بيده ملك كل شيء, فهو المالك المسيطر المهيمن على كل شيء, فلا يحدث شيء إلا بعلمه و إرادته –جل في عـلاه- , وهو المتصرف في كل شيء
(إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكـون)-يس.
و من أسمـاء الله الحسنى "المليك و المـالك و الملك" فهي تدل على ملك الله المطلق لكل شيء, فله علو الشأن و القهر و الفوقية أزلاً و أبداً فهو أعظم مالك.. ولا مالك إلا الله –عز و جل-.
إننا إن قرأنا هذه الآيات
بأقل قدر من حضور قلوبنا نستشعر عظمة الخـالق تجتـاح خافقنا فينبض بها, يشعر أن طوق الأمل الذي ينجيه من الضيـاع في تلك الأحرف المبينـة..
كيف تعصي رباً له ملك السماوات و الأرض كل له طائعـون؟..
كيف تثق بحكمة بشر و تعترض على حكمة رب السماوات و الأرض..
الحمد لله أن من علينا بنعمة الإسـلام , فنحن نؤمن بوجود الله و نؤمن بأسمـائه الحسنى
فحين نقرأ أن الله ملك كل شيء , فإن ما يتبادر إلى ذهننا تسبيحه على عظمة قدرتـه –عز و جل- ..
و نثق بأن ربنا سميع عليم مجيب لدعـانا , يرحمنا , و يمن علينا يعفو عنا
يعطينا و هو الغني عنا.. فهو الجواد الكريم..
هو الله الذي له ملك السمـاوات و الأرض..
يدبـر أمورهما بكل حكمة و عـدل .. فيحرم القبيح و يبيح الجميـل.. بحكمته غيب عن معرفتنا أموراً عـدة,
و بعدله جعل
(ألا تزر وازرة وزر أخـرى) .. و ( إن أكرمكم عند الله أتقـاكم)
.. و أمرنا بالمسـاواة..
بعدله –عز و جل- و رحمته جعل لنا فرصـاً للإنـابة و التـوبة ,
و بعدله يحـاسبنا بأعمـالنا .. فيدخل المطيع الجنة و يدخل العاصي النار..
إن تفكرنا في عظيم قدرة الله لكان التعجب رفيق دربنا في رحلة التفكر هذه..
و "من عرف الله أحبـه",
لأحببنا ربنا الذي أبـدع هذا الكون و لم يتركنا فيه ضالين بل هدانا و أرشدنا
و آنـذاك يعظم رجاؤنا لرحمته و القرب منه و نيل رضاه , و نيل محبته .. و يا له من شرف.
و نخـاف ربنا حين نرى دلائل قدرته, فنخاف أن نعصيه و نخاف ألا ننال مرادنا من رضاه و نخاف ألا ينفعنا ما قدمناه من أعمال صالحـة لقلة إخلاصنا أو ربما لأننا نرى فيها نقصاً كثيراً.. و نخاف من هول يوم القيـامة فنسعـى بأعمالنا الصـالحة و دعائنا لأن يرحمنا الله و يغفر لنا..
و إن نظرة واحدة في ملكوته –عز و جل- كفيلة بأن تجعلك تستشعر عظمة الخـالق .. و تجبرك على التفكر في ملكوتـه و قدرته –عز و جل-.. فتحصد الكثير من الثمـار.
و التفكر عبادة مهمـة جـداً..
إنه يجعلك تستشعر عظمة الخالق و غناه و ذلك و فقرك .. و أنك لا تسـاوي شيئاً أمام السمـاوات و الأرض..
فتتواضع له و تخشع في مناجاته , و تكبر قيمة العبادات في نظرك فتؤديها رغبـة في التقرب إليه..
و ينصرف نظرك عن رضا المخلوقين عن صالح عملك , و تهتم فقط برضا الخالق.
و الصـلاة.. إياك أن تهملها فهي لقاء بين العبد و ربه و هي عماد الدين, و أهم ما في الصلاة الخشـوع..
فلحظة تفكر كفيلة بجعلك تخشع لله و تلين قلبك للعبادة , فتقبل عليها منشرحاً.
يحضرني هنا درر قرأتها تقول "إن كان الله معك فماذا تخاف,
و إن كان ضدك فمن ترجو"..
ولعلها خير ما أختم به فيض قلمي المتقطـع
إني أرجو من الله أن يكون لهذا الفيض و لو أثر بسيط يشقق صخـوراً و يجري في القلوب أنهاراً
يجري معها الإخلاص و الصـدق في القلب و العمل..
فالتـأثر بما نقرأه, ينبغي أن يترجم إلى أعمال صادقة و دموع مخلصة من خشية الله ..
و الله ولي التوفيق ..